عقدت كلية القانون بجامعة عجمان ندوة قانونية بعنوان "الامتناع عن الإغاثة بين الإباحة والتجريم" قدمها كل من الدكتور عبد العزيز الحسن، أستاذ القانون الجنائي المشارك، والدكتور خالد الجسمي، أستاذ القانون الدستوري والإداري المساعد. وحضر الندوة أساتذة الكلية والطلبة والمهتمين من داخل الجامعة وخارجها.
تحدث الدكتور الجسمي في الجزء الأول من الندوة عن الجدل الفقهي حول ماهية الامتناع، وفيما إذا كان يجسد حقيقة طبيعية أم أنه يمثل حقيقة قانونية. مبيّنا المفهوم المختلط للامتناع والذي يتكون من عنصرين، أحدهما طبيعي يتصل بالجاني، والآخر شرعي يتصل بالقانون. ثم تطرق للأركان العامة لجريمة الامتناع والمتمثلة بالركن المفترض المتمثل بالواجب القانوني، والركن المادي (الإحجام عن الفعل)، والركن المعنوي (الصفة الإرادية للامتناع).
وفي الجزء الثاني من الندوة، تطرّق الدكتور عبد العزيز الحسن لموجبات تجريم الامتناع عن الإغاثة في قوانين بعض الدول التي لم تكرسها كجريمة بعد، وإلى بنيان القانون لهذه الجريمة على ضوء التشريعات المقارنة. وبيّن أن واجب تقديم المساعدة لشخص في خطر غير موجود قانوناً، والمسألة لا تتعدى اللوم الأخلاقي والاجتماعي، ولكن على الرغم من غياب النص، ففي الإجابة نظر، فالذي الذي يرى شخصاً يغرق، وكان بمقدوره أن ينجده ولو بصراخه، ومن دون أية تضحية من جانبه فلا يفعل، لا يكون عرضة للعقاب في عدد من القوانين الجزائية العربية لعدم وجود النص.
وذكر الدكتور الحسن مبررات تجريم حالة الامتناع عن الإغاثة مستنداً لمبدأ الشرعية الجزائية، ومبدأ التفسير الضيق للقاعدة الجنائية، ومبدأ حظر القياس في مجالي التجريم والعقاب. مستعرضا سلوك الأفراد الموسوم باللامبالاة والأنانية المفرطة في الغالب والذي يبتعد عن قيم الإيثار والتضامن، فغالباً ما يعتمد واجب تقديم المساعدة على أساس حساب نفعي، وعلى ضوئه يتقرر الإقدام على المساعدة أو الإحجام عنها.
وعرض المحاضر أهم النماذج التفسيرية لسلوك الفرجة التي تؤكد على عدم المراهنة على الوازع الأخلاقي لأفراد المجتمع كونهم يختلفون في نماذج سلوكياتهم وردود أفعالهم عندما يصادفون شخصاً في كارثة أو نائبة، فكل هذه المبررات من شأنها تحفيز المشرّع في بعض الدول العربية –التي لم تكرس بعد جريمة الامتناع عن الإغاثة- على أن يحول واجب تقديم المساعدة لشخص في خطر من واجب أخلاقي إلى واجب قانوني، من شأنه الإحجام عنه تعريض الممتنع للمساءلة الجزائية.
ثم تطرق الدكتور الحسن إلى الشروط المفترضة لهذه الجريمة وأركانها على ضوء القانون والقضاء المقارن في الدول التي سبق وأن كرست جريمة الامتناع عن الإغاثة. ومن أهم هذه الشروط: وجود خطر جسيم وحال يهدد إنساناً حياً، بغض النظر عن مصدر هذا الخطر الذي يمكن أن يكون من فعل الإنسان أو الطبيعة أو الحيوان. كما يجب أن يعلم المغيث بهذا الخطر الذي يمكن أن يستنتج عن طريق الملاحظة الشخصية المباشرة أو بشكل غير مباشر. فإذا توافر هذا الشرط يكون على المغيث واجب تقديم المساعدة والتي تتمثل إما بالتدخل الشخصي أو طلب الإغاثة للشخص الموجود في قلب الخطر، بشرط ألا يكون هناك خطر على المغيث أو على الغير. والالتزام القانوني بالإغاثة ما هو إلا التزام بعناية وليس التزاماً بغاية. وعرج الباحث إلى أركان هذه الجريمة (الركن المادي والركن المعنوي).
وفي ختام الندوة تم اقتراح مشروع مادة لتجريم حالة الامتناع عن الإغاثة، لتنضم للترسانة الجزائية التي تحمي الإنسان من الأخطار بمختلف أنواعها، وبالتالي تحويل واجب الإغاثة من أخلاقي إلى قانوني.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط لتعزيز تجربة المستخدم. باستخدامك هذا الموقع، فإنك توافق على شروط سياسة الخصوصية الخاصة بنا.